مُحَمَّدُ الزَرْقْطُوْنِي (1927 - 18 يونيو 1954) كان مناضلا ومقاوما مغربيا في عهد ما يسمىالحماية الفرنسية. هو من أشهر مناضلي المقاومة المغربية، بل ويعتبر رمزا للمقاومة المغربية.
النشأة
في 1925 ولد محمد الزرقطوني بمدينة الدار البيضاء، وهو الابن الأول في عائلته وله ثلاث أخوات. والده، محمد الزرقطوني الأب، كان مقدم زاوية الحمدوشية، وتعلم محمد الزرقطوني الابن في هذه الزاوية القراءة والكتابة. ثم التحق بالمدرسة العبدلاوية وهي مدرسة لتعليم الحديث ومن أوائل المدارس المستقلة الحرة التي أدارها المناضلون منذ أوائل عقد 1940.
وفي سن الخامس عشر والسادس عشر من عمره، قرر محمد الزرقطوني مغادرة صفوف الدراسة بحثا عن استقلال مالي لتحقيق أهدافه،غير أن شغفه و حبه للمطالعة رافقه قيد حياته،فقد كان يطالع آنداك المصادر الغربية باللغة الفرنسية، خصوصا تلك التي لها بعد سياسي، كما أنه كان يقرأ المطبوعات المشرقية باللغة العربية .
وخلال هذه المطالعة، انفتح على ما حواليه على المستويات المغربي والمغاربي والعربي والعالمي، وتنامى لديه الوعي بمحيطه. ومن الجدير بالذكر أن هذا التطور تحقق في إطار عالمي سياسي معين، ألا وهو نهاية الحرب العالمية الثانية وموج الحركات التحررية التي تلتها، ولا بد أنه تفاعل مع تلك الوقائع وتأثر بها بشدة.
الانخراط في صفوف المقاومة
كان الشهيد محمد الزرقطوني مثالا للشاب المقدام والشجاع كان سباقا إلى العمل يختار أصعب المهام وكان عمره آنذاك لا يتجاوز 27 عاما كما كان متعطشا لتحرير المغرب وتخليصه من الاحتلال بأي ثمن، وهو يدرك أنه لتحقيق هذا الهدف لا بد من القضاء على المتعاونين مع الاستعمار، وقد حرص محمد الزرقطوني حرصا شديدا لتكون حركة المقاومة منسقة ومنظمة وتشمل كل المدن المغربية، لذلك كان كثير التنقل بين المدن والقرى في سرية تامة مع أنه لم يكن يدعي لنفسه قيادة المقاومة والعمل الفدائي بصفة رسمية وعلنية، إلا أنه كان مع ذلك يحمل صفات القائد، وكمسؤول أول كان يسعى للتنسيق بين الجماعات المسلحة كشبكة واحدة، والدليل على ذلك أنه كان يربط الاتصال بجماعة فاس عن طريق عبد الله الشفشاوني، والجماعة الثانية التي كان يشرف عليها أحمد الجاي حيث كان الاتصال بهما عن طريق البشير شجاعدين، أما جماعة مراكش فكان الاتصال بها عن طريق حمان الفطواكي
لقد كان محمد الزرقطوني قوي المراوغة والمناورة حيال الفرنسيين، شديد الانتباه والحذر من أولئك الذين كانوا يتعقبونه ويفتشون عنه، خاصة بعد افتضاح أمر بعض منفذي عملية السوق المركزي بالدارالبيضاء في كانون الأول ديسمبر 1953 الذين اعتقلوا من طرف الشرطة الفرنسية، والتي بدا لها أن الزرقطوني قد يكون أحد العناصر المدبرة الرئيسية والمحرك الأساسي لأعمال المقاومة والفداء . وأمام البحث المستمر الذي قام به البوليس الفرنسي ظل الزرقطوني يتنقل من مكان إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى.
النهاية ..حبة سم
واصل الزرقطوني عملية توسيع نطاق خلايا المقاومة السرية وتأسيسها، إلى أن اعتقل أحد أعز أصدقائه بمدينة فاس وهو البشير شجاعدين حيث تم افتضاح أمره أمام البوليس الفرنسي، وقد سبق للزرقطوني أن صرح أمام زملائه المقاومين “أعدكم أنه في حالة إلقاء القبض علي فسيلقون القبض على جثة هامدة” وكذلك كان حينما ألقي عليه القبض بعد اقتحام الشرطة الفرنسية لمنزله بحي سيدي معروف بالدارالبيضاء يوم الجمعة 18 حزيران يونيو 1954 على الساعة الخامسة صباحا، ابتلع حبة السم التي كان يحملها، وفتح الباب بدون مقاومة، وما أن وصل إلى مركز الشرطة، حتى كان جثة هامدة… وصار هذا اليوم تاريخا للذكرى ويوما وطنيا للمقاومة في المغرب.
فكانت آخر كلماته للمستعمر الفرنسي قبل رحيله: “مثلما أخرجتم النازية وهتلر من فرنسا، سنخرجكم من أرض المغرب، ومحمد بن يوسف سيعود إلى الوطن، …والمغاربة، طال الزمن أو قصر سينالون استقلالهم” كانت هذه آخر الكلمات التي نطق بها محمد الزرقطوني إثر وقوعه في الأسر، بعد وشاية من أحد الافراد.
كلمات الزرقطوني الأخيرة، كانت بمثابة الوصية لأفراد الخلية السرية، لمواصلة عملياتها النوعية إلى أن ترضخ سلطات الحماية للأمر الواقع.
يوم استشهاده ذكرى وطنية للمقاومة
وهكذا تحول هذا اليوم إلى ذكرى وطنية يحتفي فيها المغرب باليوم الوطني للمقاومة، في 18 يونيو من كل سنة، وهو يوم نتذكر فيه التضحيات الجسام التي قدمها محمد الزرقطوني وأمثاله من الوطنيين الصادقين الذين استرخصوا الغالي والنفيس في سبيل الذود عن حياض البلاد وحوزتها.واليوم أصبح من شبه المستحيل أن تجد شارعا أو مدرسة أو حديقة عمومية أو مستشفى أو مرفقا عموميا آخر في كل مدن المغرب، بل وفي بواديه، لا تحمل اسم محمد الزرقطوني، وأبرز مثال على ذلك شارع محمد الزرقطوني بالدار البيضاء، الذي يعد من أهم شوارع العاصمة الاقتصادية.