بسبب التهافت على الربح المادي، يد المركز الثقافي العربي تنتزع اسم المترجم محمد الواجيدي من غلاف كتاب استقلال المغرب ـ
مُراجِعَة الترجمة وشقيقة المرحوم، الدكتورة نعيمة الواجيدي، تكشف تفاصيل الجريمة
لم يتورع المركز الثقافي العربي عن امتصاص جهد المترجم محمد الواجيدي، الذي رحل إلى دار البقاء، فألغى اسمه من غلاف الكتاب، سعيا وراء ربح مادي، يجرد الدار من القيم الإنسانية والثقافية التي تتمسك بها دور النشر المحترمة في العالم كله.
لقد أخفت دار النشر اسم مترجم كتاب استقلال المغرب لمؤلفه فليكس ناتاف، في الصفحات الأولى داخل الكتاب، أما غلافه فقد جاء خلوا من اسم المترجم، فلا نرى في أعلاه سوى اسم مؤلف الكتاب فليكس ناتاف، مكتوبا باللغة العربية، والعنوان"استقلال المغرب" الذي كتب تحته بخط أحمر مضغوط "تقديم عبد الرحيم بوعبيد"، ولا يخفى أن الناشر استحضر اسم الزعيم السياسي المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، لغاية تجارية صرف، وقد كان بإمكانه أن يورد اسم المترجم واسم الزعيم بوعبيد الذي قدم للكتاب في لغته الأصل،أي الفرنسية، ومن ثم فإن وجه الغلاف يخلو من أي إشارة توحي إلى القارئ بأن الكتاب مترجم، مما يجعلنا نتساءل ،أنزل هذا الكتاب من الفضاء مترجما، أم أن الراحل فليكس ناتاف قد بُعث بلسان عربي مبين، فحرر سفره بلغة الضاد؟!
وحين ننتقل إلى ظهر الغلاف، عسانا نعثر على إشارة ما إلى مترجم الكتاب،لا نجد سوى اسم فليكس ناتاف مكتوبا مرة أخرى في أعلى الصفحة، وتحته مقاطع، كنت قد اخترتها من مقدمة المترجم المرحوم محمد الواجيدي، وفيها جزء مترجم من تقديم المرحوم الزعيم عبد الرحيم بوعبيد، ينوه فيه بجهود الفرنسيين الأحرار الذين أبعدوا ابن عرفة عن العرش، كما تتضمن الإشارة إلى أهمية كتاب استقلال المغرب الذي يعتبر وثيقة تاريخية مهمة، تمكن القارئ من معرفة ملابسات تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الصراع المغربي _الفرنسي، والدور المهم الذي قام به الفرنسيون الأحرار في قضية استقلال المغرب الذي تكلل بعودة المغفور له محمد الخامس إلى عرشه، وإلى شعبه المناضل الوفي الذي كان في انتظاره.
لقد تحدثت عن مضمون هذه المقاطع المجتزأة من مقدمة المترجم المرحوم محمد الواجيدي، لأبين ما وقع في ظهر الكتاب من إيهام للقارئ، لأن إيراد أجزاء من مقدمة المترجم، وورود اسم فليكس ناتاف في أعلى الصفحة، قد يوحي إلى القارئ بأن هذه الترجمة من تحرير فليكس ناتاف، لاسيما أن النص الوارد في ظهر الغلاف لا يتضمن اسم فليكس ناتاف، وإنما يركز على عمل الفرنسيين الأحرار الذين كان الراحل ناتاف من أهم أعضائهم. وهذا الإيهام ناتج عن قصر نظر، وعدم دراية، فما دام اسم محمد الواجيدي يثقل على دار النشر إلى هذا الحد، فقد كان بإمكانها أن تجتزئ مقاطع من مقدمة فليكس ناتاف لكتابه، أومن تقديم المرحوم الزعيم عبد الرحيم بوعبيد، وتنأى بنفسها عن هذا الصنيع الممجوج، ولكن السعي وراء الربح يعمي البصر والبصيرة، ويؤدي بصاحبه إلى الوقوع في المتناقضات!
والغريب في الأمر أن دار النشر تطاولت على الحذف المتعمد لاسم المترجم، وعلى تقديم غلاف يلفه الغموض والالتباس، ولم تلق بالا إلى عنوان الكتاب الذي يتعلق بموضوع استقلال المغرب، أي بملحمة الملك والشعب الخالدة، ويؤرخ لنضال أبرز رموز المقاومة الوطنية للاستعمار، فلو حدث هذا الأمر في عنوان رواية أو كتاب ٱخر، وإن كان هذا الصنيع مرفوضا، لما كان له الوقع الكبير الذي نتج عن التباس في غلاف كتاب ، يحفظ بين دفتيه بطولات المغاربة وأمجادهم، ويؤرخ لمقاومة رموزهم السياسية للاستعمار وصمودهم في وجهه، وعلى رأسهم جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، والمغفور له الحسن الثاني الذي كان آنذاك أميرا مؤازرا لوالده في قضية المغرب العادلة.
لقد راجعت ترجمة الكتاب وحرصت حرصا شديدا على أن يرى هذا السفر النور، وذلك لثلاثة أسباب، أولها أن الإسهام في إخراج هذه الترجمة، عمل يشرفني، باعتباري مواطنة مغربية، ترغب في تزويد القارئ المغربي والعربي بكتاب، يجسد التحام الشعب المغربي بملكه المغفور له محمد الخامس، ويرسخ لدى الجيل المغربي الصاعد حب الوطن والتضحية من أجله، وثانيها أن نشر هذا العمل، تعبير عن وفائي لروح أخي المرحوم محمد الواجيدي الذي استنزفت منه هذه الترجمة الجهد والوقت، وثالث الأسباب هو تقديري لشخص الراحل فليكس ناتاف، ولكل الفرنسيين الأحرار الذين ساندوا المغاربة في سعيهم نحو الاستقلال.
وما آلمني حقا، هو أن المركز الثقافي العربي، وهو يقصي اسم المترجم من الغلاف الذي يعد أول لقاء بين القارئ والكتاب، قد جرد هذا المترجم من سلطته على ترجمة الكتاب ، وبخسه حقه، ولم يراع حرمة روحه الطاهرة التي تطمح، وهي بين يدي خالقها، إلى أن تخلف في الدنيا علما ينتفع به، ولم يقف الناشر عند هذا الحد، حين أدى به استبعاد اسم المترجم إلى إحداث لبس وإيهام لدى القارئ، متناسيا بذلك رمزية عنوان "استقلال المغرب" عند كل المغاربة، هذا الاستقلال الذي انتزع من الاستعمار، بفضل تضحيات المقاومين ودمائهم، وبفضل التفافهم حول رمز الوحدة الوطنية، المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، ولكن أنّى لدار نشر لا تهتم بالقيم الإنسانية أن تدرك هذه المعاني السامية؟!